تعليم أون لاين
مكتوب بالعربي موقع مستقل، محتواه موجه إلى بلاد العالم العربي

الصداقة: هل جربت أن يبصق صديقك في وجهك؟!

0 240

*هذه الأحداث تحمل بطاقة هوية الحقيقة

كان لي صديقة من النوع الذي نطلق عليه أصدقاء العمر، وكان لي خطأ كبير، ظننت أن الصداقة الحقيقية هي أن يلتصقون بنا بشكل أبدي رغم أن العمر نفسه يتقصف بين ليلة وضحاها، أو ينشطر فجأة ليأخذ صاحبه المتبقي منه برفقته إلي القبر.

في البداية لم أستطع تحمُل فكرة أن تسئ لي صديقتي وتحمل الإساءة علي رأسها وتعتز بها، وتتمسك بأنها فكاهة تستدعي الضحك.. هل جربت قبل ذلك أن يبصق أحدهم في وجهك في اللحظة التي تربت فيها علي كتفه؟ ثم يلومك ويتساءل: “لماذا لم تشكره علي البصقة؟”، وهل البصقة من أقرب الأصدقاء كالبصقة من أعدى الأعداء؟!

الصداقة: هل جربت أن يبصق صديقك في وجهك؟!

بعدها التزمت صمت طويل ممتزج باللا مبالاة، لا أفكر ولا أهتم بتعريف الأشياء، أتجنب المواجهة مع كل قيمة تخص الحب أو الصداقة.

لكن سرعان ما اكتشفت خطأي، الصداقة والحب والوفاء والإخلاص، كلها قيّم لا تتغير بتغير الوقت ولا تفقد قيمتها بأفعال الناس.

اقرأ أيضًا: نصائح مهمّة للأم التي تُربي أبنائها بمفردها بسبب غياب الأب

ما ذنب الصداقة إذا أنت لم تستطع الاستمساك بيد صديقك؟ ما علاقتها بوهنك؟ كيف نُحملها ذنب إغمائك أو حتي موتك؟

الصداقة قائمة وثابتة حتى لو انهار المبنى الذي أفنيت فيه عمرك، وعليك أن تكون ناضجًا حتى تُدرك أنه ليس كل من رحل عنك سئ ولا تستمتع بمازوخيتك وتقول إذن أنا الأسوأ…

في هذه المواقف ليس هناك سيء ولا أسوأ، خصوصًا في العلاقات طويلة العمر.

الإنسان يمرض وأعضاؤه تشجب، ربما يحتاج لاستئصالها والمباني تحتاج لترميم وأحيانًا لا يصلح المبني الأثري الرائع إلا للتخلص منه وإنشاء ناطحة سحاب بدلًا منه تعج بالسكان وتكتم أنفاس جيرانها بكل بساطة.

الصداقة: هل جربت أن يبصق صديقك في وجهك؟!

في النهاية علينا أن نتحلى بشرف الخصومة، فالراحلون عنا كالأموات لا يجوز عليهم إلا الرحمة وذكر محاسنهم.. علينا أن نتحلى بالشرف عينه مع أنفسنا، فذكرياتنا غير قابلة للنسيان أو التشويه، وأي محاولة للتنصل منها ستودي بالإرث الذي منحه لنا الزمن وسنصبح بلا هوية.

إذا استطعت التخلص من كل ذكرى تربطك بمفقود، ما حاجتك إلي الذاكرة؟!

في ذلك الوقت لن يصبح هناك فرق بينك وبين فاقدي الذاكرة والذين يتمنون لو يسترجعونها…

في فيلم “رسائل البحر” الذي عُرض قبل حوالي 10 سنوات، قام “محمد لطفي” بدور “قابيل”، الذي يحتاج لإجراء عملية جراحية لاستئصال ورم في المخ، ربما تتسبب العملية في فقدان للذاكرة، ليعود إنسان جديد بصفحة بيضاء في عقله، يرسم عليها كما يشاء.

لكنه طوال الفيلم يأبى إجراء العملية، لأنه سيتحول إلي إنسان آخر بعدها…

والذكريات، ذلك الجزء الثمين في الذاكرة لا يمكنها أن تكون ورم نستأصله لنتخلص من الفقد لأنها عمل فني بديع لا يموت بموت صانعيها ولا أبطالها.

اقرأ أيضًا: متحف يحمل اسم أشهر حاكم فرنسي في القاهرة.. يقع في أحد الأحياء الشعبية

وكما قال “أحمد السقا” في أغنيته بفيلم “صعيدي في الجامعة الأمريكية” معلنًا “ولا بنخاف.. مرة سابتني أعز حبيبة قمت بكيت والدنيا غريبة عمر الدمعة ما كانت عيبة لكن يأس الروح يقتلها”.

ليست الدموع وصمة فهي كالضحك كالصراخ كالغضب، مشاعر إنسانية تؤكد أننا مجرد بشريين لا ملائكة ولا شياطين ولا جماد مجرد من الشعور ولا حاسب آلي يتخلص من ممتلكاته القديمة بزر delete

اترك تعليقًا